الأحد، ٨ يناير ٢٠١٢

اتحاد الخليج العربي.. لم يعد حلماً

إن أكثر ما يميز القمة الخليجية المنعقدة في الرياض أو لنقل العلامة الفارقة التي تستثنيها عن سابقاتها هي الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله والمتضمنة تدشين كيان واحد (تقفز) فيه دول المجلس من مرحلة التعاون إلى الاتحاد.. كما تلاحظون تعمدت وضع صفة (القفز) بين مزدوجين استعاضة عن التجاوز أو الانتقال بوصفه أي القفز أسرع وأنجع وغالبا ما يأتي كعلاج ناجز وحاسم وعن قناعة تامة بعد طول انتظار وترقب، على عكس التجاوز الذي كثيرا ما تواجهه العثرات وتكتنفه العقبات. رب قائل كيف قرأت الدعوة وبكلمة أخرى ما هي تجليات التفاؤل بتحقق حلم إعلان كيان فيدرالي واحد.. مواطن خليجي واحد بمصالح وتطلعات بل توجسات وهموم مشتركة. بالطبع هذا الاستنتاج أو القراءة (المتفائلة) لم تتأتى عن تخرصات أو توهمات بل على وقع إرهاصات وأصداء ردة فعل جل الخليجيين بمختلف شرائحهم وأطيافهم أو هكذا يفترض الاستقراء العلمي تأسيسا على قاعدة جملة من المتغيرات والأحداث. ما أود التذكير به في هذا الوارد أن أي قرار أو مبادرة إذا ما أريد التعرف على مدى أو درجة تحقيقه لا بد أن تتوافر فيه ركيزتان أساسيتان؛ المصداقية والمقاربة ونعني ها هنا بالمصداقية انه كلما كان صاحب القرار على درجة من الصدق كان القرار اقرب للتطبيق الفعلي. أما المقاربة فالمقصود بها مدى (إلحاح) الحاجة لذلك القرار أو التوجه بمقتضى الظروف المحيطة والحسابات الراهنة. فلنقرأ القرار سويا وبموضوعية وعلى نحو لا يرقى للتأويل أو يشوبه التشكيك وربما التزلف واستطرادا سوء الفهم.. نقول لو صدر هذا القرار من قائد دولة محدودة المقدرات لقيل (من قبل المشككين على الأقل) بأن الهدف هو إشراك الدول الأخرى لفك عجز هذه الدولة وهنا تنتفي أهمية القرار وجدواه وبالنتيجة مصداقيته. وفي الإطار، لو تبنت القرار دولة اقل جاهزية لجهة البنية العسكرية لربما تم تأويله أو قل تحويره على أنه لغرض (الاستقواء) بالدول الأخرى. أما أن يأتي القرار من السعودية التي حباها الله بوافر من الثروات وذات عمق استراتيجي وثقل سياسي ليس على صعيد دول الخليج وحسب بل على المستوى الإقليمي والعالمي.. وممن؟ من قائد ملهم يقر بصدقه وصراحته وحكمته الأعداء قبل الأصدقاء، هذا عن المصداقية الركيزة الأولى وإن شئت النصف الأول من مقومات الدفع بتطبيق القرار. أما الركيزة الثانية وهي مقاربة القرار فالمقصود الوضع الجيوسياسي لدول الخليج، فكما هو معلوم الأحداث المحيطة والمتغيرات العاتية المتسارعة تمور بنا ونمور بفلكها فالتحديات والأطماع بل والتهديدات لم تعد مقصورة وجلية على دولة أو نظام (إيران) حصرا فثمة دول ذات خطورة كامنة قد تنشط وتهدد دول الخليج فتفشي الحركات المسلمة أو (المتلحفة تذرعا) بوشاح الاسلمة إن صح التعبير في ليبيا وغيرها يشكل خطرا على المنطقة، فما نسمعه ونقرأه من خطابات هنا وهناك ضد الخليج بعضها قوى وصلت لسدة الحكم وبعضها قاب قوسين أو أدنى.. كل ذلك وغيره يستدعي أكثر ما يستدعي وبشكل عاجل تلاحم مواطني دول الخليج لناحية قادتهم، وبالتوازي وفي الآن نفسه تلاحم وإتحاد دول الخليج.. بقي أن نقول كل الدلائل والتجليات بل المسوغات (تصرح) بأن الاتحاد قريب لم يعد مجرد أمنية أو حلم بل ضرورة حتمية لا محيد عنها، فخيوط التلاحم والاتحاد مكتملة متوافقة ومتسقة ولم يتبق سوى نسجها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق